العودة إلى المدونة
المملكة العربية السعودية تُوّسط بورصتها الرقمية: عندما تلتقي رؤية 2030 بتقنية البلوك تشين الأخلاقية

المملكة العربية السعودية تُوّسط بورصتها الرقمية: عندما تلتقي رؤية 2030 بتقنية البلوك تشين الأخلاقية

19 نوفمبر 2025
3 vues
0 commentaires

يشكل الإعلان الأخير عن الشراكة الاستراتيجية بين منصة WhiteBIT الأوروبية لتداول العملات الرقمية، وشركة Durrah AlFodah—أحد الفاعلين الرئيسيين في المملكة العربية السعودية—لحظة مفصلية في تطوير تقنية البلوك تشين في المنطقة 1. هذه الشراكة ليست مجرد اتفاق تجاري عادي؛ بل هي تجسيد سياسي واقتصادي لإرادة المملكة العميقة بأن تكون رائدة في مجال المالية الرقمية السيادية والمتوافقة مع قيمها الثقافية والدينية.

من خلال هذا المشروع، تعزز السعودية جهودها لبناء بنية تحتية رقمية متينة تدمج بين البلوك تشين، التمويل اللامركزي، وبنى البيانات الآمنة، في انسجام تام مع استراتيجيتها الوطنية رؤية 2030. يُمثّل إدخال تقنية التوكن في سوق الأسهم السعودية — تداول — تجسيدًا حيًا لهذه الطموحات، التي تعد بتحولات جذرية ومستدامة لأسواق المال المحلية.

يقدم هذا المقال تحليلًا مفصلًا لهذه الاستراتيجية السعودية الجديدة في مجال البلوك تشين: أُسسها، آلياتها التشغيلية، وتداعياتها في سياق جيوسياسي وثقافي فريد.


2. رؤية 2030: البلوك تشين ركيزة التحول

أطلق برنامج رؤية 2030 عام 2016 كخارطة طريق تهدف لإعادة وضع الاقتصاد السعودي من خلال تقليل الاعتماد التاريخي على النفط. ومن بين محاورها الرئيسة تحفيز الابتكار التكنولوجي عبر دعم تقنيات البلوك تشين والتمويل الرقمي 2.

تُعتبر تقنية البلوك تشين أداة استراتيجية لتعزيز الحكامة الشفافة والفعالة، تحديث الخدمات المالية والعامة، وجذب الاستثمارات في قطاعات مبتكرة. وتؤكد السلطات أن البلوك تشين تساهم في تحسين تعقُّب المعاملات، خفض التكاليف التشغيلية، وتوسيع الوصول إلى الأسواق—وهي عوامل أساسية لتنويع الاقتصاد الوطني السعودي 3.

يتماشى هذا التوجّه مع ديناميكية شاملة، حيث تسعى السعودية لتصبح مركزًا إقليميًا وعالميًا لتكنولوجيا المالية (FinTech)، لا سيما للتقنيات المتوافقة مع معاييرها الثقافية، وبالأخص التمويل الإسلامي. ويُستدلّ على ازدهار قطاع البلوك تشين من خلال نمو +51% في تسجيلات الشركات المرتبطة بهذه التقنية خلال الربع الثاني من 2025، مع أكثر من 4000 شركة مُسجلة 3.


3. توكنية تداول: ثورة في الأسواق المالية

تشهد تداول، البورصة السعودية الرسمية، تحولًا جذريًا عبر تعميم تقنية التوكن على أصولها. وتعني هذه العملية تمثيل الأسهم وغيرها من الأدوات المالية التقليدية على شكل رموز رقمية، مما يتيح تداولًا أكثر سيولة، فورية، ومتاحًا لشريحة أوسع من المستثمرين 4.

آليات التوكنية

تضمن تقنية البلوك تشين اللامركزية وأمان المعاملات، تحمي من التزوير وتُسهِّل التدقيق اللحظي. من خلال تحويل حصص الشركات المدرجة إلى رموز رقمية، تسعى تداول إلى:

  • زيادة السيولة: حيث يمكن تقطيع الرموز، بيعها وتداولها على مدار الساعة، حتى على المستوى الدولي.
  • تعزيز الشفافية: إذ يُسجّل كل نقل ملكية على سلسلة غير قابلة للتغيير، مما يقلل مخاطر التلاعب.
  • فتح السوق: بتمكين مزيد من المستثمرين الصغار بالكادرة على الوصول إلى فرص الاستثمار.
  • خفض التكاليف: من خلال إلغاء الوسطاء وتسريع العمليات.

تأتي هذه التحولات ضمن تنفيذ الخطة الاستراتيجية لـ "هيئة السوق المالية" (CMA) التي تدعم الابتكار التكنولوجي لتنشيط السوق المالي المحلي وجعله نموذجًا للنزاهة والكفاءة إقليميًا 5.


4. العملات الرقمية للبنك المركزي (CBDC): السيادة النقدية في العصر الرقمي

لم تقتصر السعودية على تمكين الأسواق المالية من البلوك تشين، بل تتخطاها إلى تجربة العملات الرقمية للبنك المركزي (CBDC). إذ تختبر "مؤسسة النقد العربي السعودي" (ساما)، البنك المركزي، منذ عدة سنوات عملة رقمية موجهة للمدفوعات بين البنوك والتسويات الفورية عبر مشروع أبر، بالتعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة 67.

تهدف المبادرة إلى تحقيق هدفين رئيسيين:

  • الحفاظ على السيادة النقدية: بالتحكم في إصدار وتداول العملة الرقمية، لتتمكن المملكة من تنظيم النظام المالي في ظل انتشار العملات المشفرة الخاصة.
  • رفع كفاءة النظام المالي: من خلال تسريع وضمان أمان التسويات المالية والحد من مخاطر التبادلات العابرة للحدود.

يمثل نجاح مشروع أبر دليلاً على النية في المزج بين الابتكار وتنظيم صارم، مع تمهيد الطريق لإدخال أوسع للـ CBDC داخل الاقتصاد السعودي إلى جانب الأدوات التقليدية.


5. السيادة الرقمية: السيطرة السعودية على البنية التحتية

ركيزة أساسية في استراتيجية البلوك تشين تتمثل في السيادة الرقمية. تستثمر السعودية بكثافة في إنشاء بنى تحتية رقمية محلية لضمان بقاء البيانات الحساسة والخدمات المالية تحت السيطرة الوطنية 3.

تشمل المبادرات:

  • مراكز بيانات وطنية: استضافة سحابات الحوسبة وتقنيات البلوك تشين داخل المملكة لتعزيز توفر وسلامة البيانات.
  • تنظيم صارم: إطار قانوني محكم حول معالجة البيانات الشخصية والأمن السيبراني لضمان الامتثال والحماية.
  • استغلال الطاقة: الاستخدام الأمثل للموارد الطاقية المنتجة بطريقة مستدامة لتغذية هذه الشبكات البلوك تشين، مما يدعم الاستقلالية والاستدامة.

تأتي هذه الإجراءات في سياق استراتيجية شاملة لتعزيز سيادة الدولة الرقمية، مع الحفاظ على انفتاح محسوب على شراكات دولية تحترم المعايير المحلية.


6. التمويل الإسلامي والبلوك تشين: زواج طبيعي؟

يُشكّل التمويل الإسلامي قطاعًا جوهريًا في الاقتصاد السعودي، مستندًا إلى مبادئ أخلاقية منصوص عليها في الشريعة، تشمل تحريم الربا، الشفافية، وتقاسم المخاطر.

تبدو تقنية البلوك تشين بخصائصها الجوهرية — من إمكانية التتبع، الثبات، والشفافية — مناسبة تمامًا لضمان التوافق مع هذه المتطلبات الشرعية 34. حيث تمكّن من:

  • تشغيل العقود الذكية المتوافقة مع الشريعة (Smart Contracts Sharia-compliant).
  • تعزيز تتبع الأموال لمنع الاستخدامات غير الشرعية أو المضاربات المحرمة.
  • تحسين عمليات التدقيق والتوثيق الشرعي.

مع ذلك، تظل هناك تحديات، كالتقلب الكبير للأصول المرمزة أو المخاطر المرتبطة بالمضاربات التي قد تخالف المبادئ الإسلامية. للتعامل مع ذلك، تشكّلت تحالفات بين علماء الدين، الماليين، والتقنيين لوضع معايير وشهادات تضمن مطابقة منتجات البلوك تشين للشريعة.

هذه التكاملية تفتح أفقًا جديدًا للتمويل الأخلاقي، أكثر شمولية، أمانًا وابتكارًا.


7. نموذج للعالم الإسلامي؟

لا تحتكر السعودية الساحة الرقمية في الخليج؛ فدول الإمارات العربية المتحدة، البحرين، وقطر وضعت استراتيجيات طموحة مماثلة 3.

ومع ذلك، تتميز السعودية بحجمها الاقتصادي وتراثها الثقافي، باعتماد نهج فريد يجمع بين:

  • التوكنية الشاملة والمندمجة في الأسواق المالية الوطنية.
  • السيطرة السيادية الكاملة على البيانات والبنى التحتية.
  • الاحترام والترويج الصريح لمبادئ التمويل الإسلامي.
  • التعاون الحكومي المشترك في مجال العملات الرقمية، خاصة مع الإمارات عبر مشروع أبر.

بذلك، يمكن اعتبار الاستراتيجية السعودية نموذجًا متقدمًا لبلدان إسلامية أخرى تسعى إلى تحقيق توازن بين الابتكار التكنولوجي، المحافظة الثقافية، والسيادة الوطنية، لتلعب دورًا قياديًا في ظهور تمويل أخلاقي قائم على البلوك تشين عالميًا.


8. الفرص والمخاطر للمستثمرين الأخلاقيين

تفتح توكنية تداول، تطوير العملات الرقمية للبنك المركزي، وازدهار التمويل اللامركزي المتوافق مع الشريعة، آفاقًا واسعة للمستثمرين الباحثين عن بدائل أخلاقية ومبتكرة.

الفرص

  • تسهيل الوصول للبورصة السعودية عبر التوكنية.
  • أمان وشفافية معززة بفضل البلوك تشين.
  • منتجات مالية متوافقة مع الشريعة تقلل المخاطر الدينية.
  • المشاركة في نظام سريع النمو مدعوم بحماس حكومي.

المخاطر

  • تقلبات الأصول الرقمية، قد تكون مسألة حساسة في التمويل الإسلامي.
  • مخاطر تنظيمية مع استمرارية تطوير الأطر القانونية.
  • المضاربات المفرطة التي قد تتعارض مع المبادئ الأخلاقية.
  • تحديات تقنية وأمنية قد تؤثر على ثقة المستثمرين.

تسعى السلطات السعودية وشركاؤها التقنيون إلى إيجاد حلول متوازنة تجمع بين الانفتاح والضبط، لضمان استدامة منظومة مالية رقمية أخلاقية وقابلة للبقاء.


9. الخاتمة

من خلال الجمع بين رؤية 2030، ابتكار تقنية البلوك تشين، ومتطلبات التمويل الإسلامي، ترسم المملكة العربية السعودية مسارًا فريدًا ومثالياً نحو اقتصاد رقمي سيادي وشفاف وأخلاقي. تجسد شراكة WhiteBIT - Durrah AlFodah هذه الديناميكية، مؤكدة رغبة المملكة في تعزيز دورها كقائد إقليمي ونموذج عالمي في التكامل المسؤول لتقنيات البلوك تشين.

إن مشروع توكنية تداول، تجارب العملات الرقمية عبر مشروع أبر، والسيطرة المحكمة على السيادة الرقمية تشكل مجموعة محورية تعكس استراتيجية شاملة وطموحة. وتفتح هذه المبادرة آفاقًا غير مسبوقة ليس فقط لتنمية الاقتصاد المحلي، بل ولكافة البلدان الإسلامية التي تسعى إلى توازن بين الحداثة التكنولوجية والقيم التقليدية.


المراجع

Footnotes

  1. Cryptopolitan. WhiteBIT تستحوذ على شراكة في السعودية.

  2. رؤية 2030. استراتيجية التكنولوجيا المالية.

  3. Blockchain Solutions. دور البلوك تشين في رؤية السعودية 2030. 2 3 4 5

  4. Naquib Mohammed. منشور لينكدإن. 2

  5. هيئة السوق المالية. الخطة الاستراتيجية لهيئة السوق المالية.

  6. SAMA. تقرير مشروع أبر.

  7. SAMA. مواصلة تجارب البنك المركزي للعملات الرقمية.

التعليقات (0)

اترك تعليقًا

Chargement du CAPTCHA...

Aucun commentaire pour le moment. Soyez le premier à commenter !